مهارات الإمارات تحتفي باللغة العربية

مهارات الإمارات تحتفي باللغة العربية

من المهم عند النظر إلى أي فعالية تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة، قراءتها في إطار إستراتيجية الدولة الأشمل التي تتجسّد في سلسلة من الفعاليات والمسابقات والمبادرات والمؤتمرات، وفي إطار مشروع متكامل تخطط له الدولة لاستنطاق الهمم، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل على المستوى العربي الأوسع في ظلّ سعي الإمارات الحثيث لاستئناف الحضارة واستعادة البريق للعلم والثقافة والمعرفة.

أقول هذا بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة عشرة من المسابقة الوطنية لمهارات الإمارات، التي نظمها مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، تحت رعاية الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية "أم الإمارات"، فهذه الدورة تأتي في إطار استراتيجية أبوظبي الثقافية الفكرية العلمية، لتنشئة جيل جديد مطلع على أحدث مصادر التكنولوجيا في العالم، متسلح بأهم المهارات التي يحتاج إليها لخوض غمار المستقبل، والتي يستطيع من خلالها تبني المسارات المهنية القائمة على التكنولوجيا، والحفاظ في الوقت ذاته على هويته الثقافية، التي تأتي في القلب منها اللغة العربية.

الخطابة والإلقاء

فقد شاركت في الدورة نخبة من شبان الإمارات وشاباتها، من أصحاب المهارات المتميزة، يزيد عددهم عن 300 شاب إماراتي، يتنافسون في 23 مجالاً هندسياً وتقنياً مثل صيانة محركات الطائرات، وأنظمة التحكم الصناعي، والنحت والخراطة بالحاسوب، وتقنية السيارات والبرمجيات، وتصميم مواقع الإنترنت والتصميم الغرافيكي، والرسم الهندسي، والأوتوكاد والإلكترونيات، ولم تغفل هذه الدورة مهارات أخرى مهمة تتعلق بتعزيز هوية الشباب وانتمائهم، وهي مهارات الخطابة والإلقاء كأحد فنون اللغة العربية، وذلك بما يضمن صناعة الكفاءات الوطنية التي تتوافق مع طموحات الوطن والقيادة الحكيمة.

وأتوقف هنا عند اختيار فن الخطاب والإلقاء كأحد أوجه الاهتمام باللغة العربية بوصفها لغة علم وجمال وإبداع، وضرورة تنمية المهارات عند المواهب الناشئة، لتعزيز مكانتها في المجتمع باعتبارها وعاء حاضناً للثقافة والهوية والحضارة والعلم، معبراً عن قيمنا وجذورنا وتطلعاتنا. وهذا الاهتمام يأتي ضمن مبادرات عدة لا تتوقف للنهوض باللغة، لعل آخرها كان قبل أسابيع قليلة مع انعقاد "قمّة اللغة العربية" بشعار "اللغة وصناعة الهوية"، والتي نظمتها وزارة الثقافة والشباب، بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية، وتحت رعاية سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي.

والأمر لا يتوقف عند المؤتمرات العالمية الكبرى فحسب، بل هو في قلب استراتيجية الدولة التعليمية، فقبل أشهر وجّه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، جميع المؤسسات التعليمية في الدولة، بما فيها الحكومية والخاصة، بكل المراحل، "بتكثيف الجهود لتعزيز الهوية الوطنية والثقافة الإماراتية والقيم الإيجابية واللغة العربية لدى الطلبة، وضمان تكاملها مع المناهج والبرامج التعليمية وطرق التدريس والأنشطة والفعاليات والمبادرات التي تقوم بها المؤسسات"، مؤكداً أن "الهوية الوطنية والثقافة الإماراتية واللغة العربية والحفاظ عليها وترويجها من أهم أولويات القيادة في دولة الإمارات".

التصاق بالتراث

ومن المهم هنا الإضاءة على فن الإلقاء والخطابة الذي اختارته الإمارات ليكون ضمن مهارات شباب الإمارات، فهو فن شديد الالتصاق بالتراث العربي، سواء تاريخياً حين كان الشعراء العرب يلقون قصائدهم في ساحات الشعر وأسواقه، أو حتى في العصر الحديث كفن تمثيلي ارتبط بالمسرح، أو حتى باعتباره فناً يتوجب إجادته للتمكن من إدارة فرق العمل ومخاطبة الجمهور. وفي كل الأحوال تستفيد اللغة العربية ـ كلغة هوية ـ من تنشئة جيل جديد، على معرفة وثيقة بالفنون والعلوم المرتبطة بها.

وقد سعدت أمس بزيارة فعاليات المسابقة، واطلاعي على إنجازات الموهوبين المدربين وفق أفضل المعايير والمزودين بالمهارات المهنية والفنية اللازمة بما يمكنهم من إنجاز مشاريع تكنولوجية متقدمة عالية الجودة، ولطالما أعجبنا بمهارتهم في فنون الخطابة والإلقاء. وغني عن الذكر أن هذا إنجاز مهم يصقل مهارات الطلبة الخطابية ويجعلهم قادرين على الفهم وإظهار ما تعلموه بوعي في لغة رشيقة سليمة ودقيقة.

ويبدو جلياً لكل متابع الاهتمام الكبير الذي يوليه الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان لدعم اللغة العربية من جهة بحرصه على حضور جلّ الفعاليات المتعلقة بها، ودعم المواهب من جهة أخرى، وهو ما اتضح من حضوره جانباً من فعاليات المسابقة الوطنية لمهارات الإمارات، والتي عقدت في مركز أبوظبي الوطني للمعارض "أدنيك"، ولقائه عدداً من الطلاب والطالبات الإماراتيين من أصحاب المواهب والمهارات المتميزة في المجالات التقنية والمهنية، وإشادته بما أنجزوه من مشاريع قائمة على التكنولوجيا المتقدمة التي تساعد في استشراف وبناء مستقبل مشرق لدولة الإمارات.

إن ما تحققه أبوظبي بإطلاق مثل هذه الفعاليات، هو صناعة المستقبل، والاستثمار في المواهب الشابة، وتهيئة الأجيال الجديدة من أبنائها بالمهارات العصرية اللازمة لصناعة غد أفضل، ليس للإمارات فحسب، بل للعالم بأسره.

 

مشاركة: