بيت العائلة الإبراهيمية: منارة التسامح من زايد إلى محمد بن زايد

بيت العائلة الإبراهيمية: منارة التسامح من زايد إلى محمد بن زايد

 لسنوات استمر الحديث حول نظرية "صراع أو صدام الحضارات" للمفكر الأمريكي صامويل هنتنغتون، باعتبار هذا الصراع أمراً مسلّماً به، وتم الترويج لفكرة أن الاختلافات الثقافية ستكون هي المحرك الرئيسي لمستقبل النزاعات بين البشر، وربما رأينا هذا بأشكال مختلفة خلال العقود الماضية، في نزاعات ثقافية ودينية وفكرية سياسية، حول العالم.

مفهوم آخر للمستقبل

تطرح دولة الإمارات، منذ نشأتها، مفهوماً آخر لمستقبل العالم، وهو تحفيز الانسجام والتعايش والتفاهم بين البشر، ويتضح هذا في فلسفة الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" ومنهجه، حين أرسى دعائم السياسة الخارجية لدولة الإمارات عند تأسيسها، فهو القائل "لقد ارتكزت سياستنا ومواقفنا على مبادئ الحق والعدل والسلام منطلقين من إيماننا بأن السلام حاجة ملحة للبشرية جمعاء"، وهو النهج الذي تسير عليه الإمارات، جيلاً بعد جيل، في خطاها الواثقة نحو المستقبل.

و"بيت العائلة الإبراهيمية" الذي دشنته الإمارات خلال الأيام الماضية هو درة أخرى في تاج رسالة الإمارات من أجل السلام، والتي يؤكدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة يوماً بعد يوم، وقد أكد في احتفائه بالافتتاح على هذا المعنى بقوله "إن بناء جسور التواصل والتعايش والتعاون بين الجميع نهج الإمارات الثابت في مسيرتها"، مشيراً إلى أن بيت العائلة الإبراهيمية صرح للحوار الحضاري البنّاء، ومنصة للتلاقي من أجل السلام والأخوة الإنسانية.

نهج ثابت

وما ذكره رئيس الدولة هو ببساطة ووضوح شديد ما تسعى إليه دولة الإمارات، وتدعمه، لأنه يعكس قيمها الإنسانية السامية التي تعزز التعايش السلمي بين الشعوب، في وقت نرى العالم فيه يجلس على قنبلة موقوتة، وتتنقل التهديدات بالحرب من دولة إلى أخرى. كما يأتي مصاحباً لتحركات أخرى تقودها الإمارات لإحلال السلام في العالم، سواء في المنطقة العربية أو العالم، إذ لا يخفى دورها الساعي لإطفاء لهيب الحرب الأوكرانية الروسية على أحد.

وهذا البيت، وهذا النهج الثابت، وهذه التحركات الساعية لنشر الحوار والسلام بين الدول، تأتي استكمالاً لـ "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي أطلقت في أبوظبي عام 2019 ووقعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، ومثلت إعلاناً مشتركاً يحث على السلام بين الشعوب كافة، وقدمت نموذجاً لثقافة الحوار والتعاون بين الأديان، وهدفت إلى أن تكون دليلاً للأجيال القادمة لتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل، اعترافاً بأننا جميعاً أفراد أسرة إنسانية واحدة.

تجلّ حضاري

إن بيت العائلة الإبراهيمية الذي افتتحه الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، هو نموذج حقيقي لرؤية الإمارات التي تفكر في مستقبل واحد يسمح بالحوار ويقبل بالآخر ويرحب بالجوار ويعزز القيم الإنسانية. فـ"البيت" الذي يضم ثلاث دور عبادة، هي مسجد فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، وكنيسة قداسة البابا فرانسيس، وكنيس موسى بن ميمون، يتيح لزواره فرصة الاستفادة من الخدمات الدينية التي توفرها دور العبادة الثلاث، وممارسة شعائرهم وعباداتهم، والاطلاع على المعتقدات الإيمانية والدينية المختلفة، بما يعزز التسامح والتعايش المشترك، وكفالة حرية العقيدة وحماية دور العبادة وقبول وفهم الآخر، وقد أوضح الشيخ سيف بن زايد هذا بقوله إن "افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي بهندسته المعمارية الرائعة، يأتي تجلّياً حضارياً للرؤية الملهمة لسيدي الشيخ محمد بن زايد في الأخوة الإنسانية، ويجسّد روح التآخي بين أبناء الديانات السماوية الثلاث، ليكون صرحاً إنسانياً للتلاقي وإعلاء قيم الوئام في وطن التسامح والسلام".

لقد عانى العالم، وعانت منطقة الشرق الأوسط تحديداً، لسنوات طوال من حروب كان التناحر الديني والطائفي أحد أسبابها الرئيسية، وعززته نظريات الصدام والصراع الفكري والثقافي والأيديولوجي، واليوم فإن رسالة الإمارات، مع وجود ثلاث دور عبادة متجاورة، هو أن الأصل في الأديان التواصل والحوار لأن ما يجمع أكثر مما يفرق، والأصل في الثقافات والحضارات هو التضافر والتكامل، والأصل في الشعوب أنها من جذر واحد.

إن الترحاب الكبير من دول العالم كافة، بافتتاح بيت العائلة الإبراهيمية، لهو تأكيد جديد على نجاح الإمارات في رسالتها الساعية لنشر ثقافة السلام والحوار والتفاهم والتعارف ونبذ التعصب والصدام والكراهية، وتأكيد آخر على أن مسيرة الإمارات باتجاه المستقبل تظللها رايات الإخاء والإنسانية والمحبة.

أما تلك الأصوات، ولاسيما من تنظيم "الإخوان" الإرهابي، ومن يدور في فلكه، التي حاولت منذ الإعلان عن هذه المبادرة الحضارية وحتى تدشينها، الترويج لمزاعم لا أصل لها ولا أساس، فقد أثبتت الأيام عقم هذه المحاولات التشويهية التي لم تنطل على أحد، ولعل كلام المولى عزّ وجل الذي لا يعلو فوقه كلام، هو الردّ الأمثل على كل تلك المزاعم، إذ يخاطبنا في كتابه العزيز بالقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، "وكفى الله المؤمنين القتال" وكفّ ألسنة المحرضين والمغرضين وأيديهم عن دولة الإمارات.

مشاركة: